التعليم أحد أهم روافد المعرفة التي تحمل التطور من التنظير إلى التطبيق في شتى مناحي الحياة في علاقة ديناميكية نشيطة بينه وبين المستجدات المختلفة في فروع المعرفة فالتقدم في العلوم يعني تطور التعليم والتعلم ، وعندما نكون على أعتاب ثورة تكنولوجية ( الميتافيرس Metaverse ) ستدمج واقعنا المادي في عالم افتراضي، حتما ستتغير موازين التعليم ووسائله واستراتيجياته ولم نبالغ حين نقول إن كل أنظمة التعليم القديمة حول العالم ستختفي .

فمنذ أن تحدث (مارك زوكربيرغ) مؤسس فيسبوك عن (الميتافيرس) بات العالم في حالة من الترقب والارتباك؛ لما يحوطه من غموض وتعقيد فمنصاته المحتملة ستمكن الأشخاص من خوض تجربة دمج الطبيعة بالخيال وخلق عالم افتراضي متكامل يمكن المستخدم من عالمه الاختياري الذي يرغب أن يكون فيه ويتعامل مع مكوناته من أشخاص وكائنات افتراضية بصورة واقعية وبتحكم وتجسيد وسيطرة كاملة منه .

كما سيستطيع أي شخص إنهاء الخدمات والمعاملات بشكل دقيق وسريع في أي مؤسسة في العالم الذي سيقسم إلى إحداثيات إلكترونية تسيطر عليها منصات (الميتافيرس) وتعرضها للبيع فمن لم يستطع التملك والشراء للمساحات الافتراضية التي تعرضها المنصات للحكومات والأفراد لن يستطيع بناء عالمه الافتراضي ، وقد بدأت بالفعل بيع مساحات من هذا العالم منذ شهور ، والآن العديد من الشعوب والحكومات والشركات تتنافس في الشراء والاستحواذ .

وعلى جانب التعليم والتعلم بدأت المؤسسات التربوية العريقة والجامعات ومراكز البحوث التربوية حول العالم تتحس موقعها وسط هذا العالم الجديد، فمن لم يدرك أثر هذه النقلة على التعليم سوف يتراجع إلى ما قبل العصور المظلمة، ولن يتمكن من تقديم تعليم يواكب هذه التقنيات ، فمن المتوقع أن يحكم أنظمة التعليم الصور الرمزية والتطبيقات الرقمية فمن لم يجيد التكنولوجيا المعقدة سيبقي في مكانه ؛ لذا ينبغي علينا فهم هذا العالم الذي سيغير إدارة الفصول الدراسية ومعامل الحواسب والعلوم وسيمحي الغرفة الدراسية في صورتها التقليدية وسيطور المناهج بصورة مرعبة ، وسيمكن الطلاب من معايشة تجاربهم في أي معمل داخل الجامعات والمراكز العالمية ، كما سيستطيع المعلم العودة مع طلابه للعصور الفرعونية البعيدة والعيش والتعامل فيها لأي فترة زمنية ، وسيأخذ هذا العالم الجديد الطلاب لدراسة فوهات البراكين بالقرب منها وداخلها في بيئة صفية (افتراضية) شديدة التشويق وغير ذلك من أساليب التعلم والمحاكاة التي لم تعرف البشرية مثيلا لها .

وعلينا أن نعد الخطط لتمكين الطلاب من مواجهة هذه التحديات والمنافسة التي ستنقلهم خارج بيئة الفصل الدراسي ، كذلك ينبغي العمل على نقل المعلمين إلى مستوى متقدم من الفهم والتعامل مع تكنولوجيا العوالم الجديدة التي ستتيح لهم صقل قدراتهم وخبراتهم ، هذا وأظهرت الدراسات التنبؤية أن التعلم في ظل هذه التقنيات سيكون أكثر فاعلية ومتعة وسينقل الطلاب من التعليم إلي التلعيب والذي بات يمثل مستقبل التعليم بعد زمن الميتافرس .

ونحن في مجتمعاتنا العربية من المهم أن ندرك هذا الواقع ونعمل على التعايش فيه ونعد الطلاب والمعلمين لمواجهة التكنولوجيا والعمل على تطوير المعلمين مهنيا وتأهليهم لتوظيف كل ما هو جديد حتى نضمن لمجتمعاتنا موقعا في عالم لا يعترف بغير لغة العلوم والتقنيات .